سورة الحج - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


قلت: {وإذا تُتلى}: عطف على {يعبدون}، وصيغة المضارع؛ للدلالة على الاستمرار التجددي.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {وإِذا تُتلى عليهم} أي: على المشركين {آياتُنا} القرآنية، حال كونها {بيناتٍ}: واضحات الدلالة على العقائد الحقية، والأحكام الصادقة، {تعرِفُ في وجوه الذين كفروا المنكَر} أي: الإنكار بالعبوس والكراهة، فالمُنكَر: مصدر بمعنى الإنكار. {يكادون يَسطُون}: يبطشون، والسطو: الوثب والبطش، أي: يثبون على الذين {يتلُون عليهم آياتنا}؛ من فرط الغيظ والغضب، والتالون هم: النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. {قلْ} لهم: {أفأنبئُكُم بشرٍّ من ذلكم}؛ من غيظكم على التالين وسطوكم عليهم، أو مما أصابكم من الكراهة والضجر، بسبب ما يتلى عليكم، هو {النارُ وَعَدها اللهُ الذين كفروا} مثلكم، {وبئس المصيرُ} النار، التي ترجعون إليها مخلدين.
الإشارة: من شأن أهل العتو والتكبر أنهم إذا وعظهم الفقراء عنفوا واستنكفوا، ويكادون يسطون عليهم من شدة الغضب، فما قيل لكبراء الكفار يجرُ ذيله على من تشبّه بهم من المؤمنين.


يقول الحقّ جلّ جلاله: {يا أيها الناس ضُرب مثلٌ} أي: يُبين لكم حالٌ مستغربة، أو قصة بديعة رائقة حقيقة بأن تسمى مَثَلاً، وتنشر في الأمصار والأعصار، {فاستمعوا له}؛ لضرب هذا المثل؛ استماع تدبر وتفكر، وهو: {إِنَّ الذين تدْعُون}، وعن يعقوب: بياء الغيبة، أي: إن الذين تدعونهم آلهة وتعبدونهم {من دون الله لن يخلقُوا ذُبابًا} أي: لن يقدروا على خلقه أبدًا، مع صغره وحقارته. و{لن}: لتأبيد النفي، فتدل على استحالته، {ولو اجتمعوا له} أي: الذباب. ومحله: نصب على الحال، كأنه قال: لا يقدرون على خلقه مجتمعين له، متعاونين عليه، فكيف إذا كانوا منفردين؟! وهذا أبلغ ما أنزل في تجهيل قريش، حيث وَصَفوا بالألوهية- التي من شأنها الاقتدار على جميع المقدورات، والإحاطة بكل المعلومات- صُورًا وتماثيل، يستحيل منها أن تقدر على أضعف ما خلقه الله تعالى وأذله، ولو اجتمعوا له.
{وإِن يسلبْهُمُ الذبابُ شيئًا} من الطيب وغيره، {لا يستنقذوه منه} أي: هذا الخلق الأرذل الأضعف، لو اختطف منهم شيئًا فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه، لم يقدروا وعن ابن عباس رضي الله عنه: أنهم كانوا يطلُونها بالعسل والطيب، ويغلقون عليها الأبواب، فيدخل الذبابُ من الكُوِي فيأكله، فتعجز الأصنام عن أخذه. {ضَعُفَ الطالبُ}: الصنمُ بطلب ما سُلب منه، {والمطلوبُ}: الذباب بما سَلَب. وهذا كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف، ولو حققت لوجدت الطالب أضعفَ وأضعفَ؛ فإنَّ الذباب حيوان والصنم جماد.
{ما قَدَروا الله حقَّ قدره}: ما عرفوه حق معرفته، حيث جعلوا هذا الصنم الضعيف شريكًا له، {إِن الله لقويٌّ عزيز} أي: قادر غالب، فكيف يتجه أن يكون العاجز المغلوب شبيهًا له! أو لقوي ينصر أولياءه، عزيز ينتقم من أعدائه. بَعْدَ أن ذكر تعالى أنهم لم يقدروا له قدرًا؛ حيث عبدوا معه من هو منسلخ من صفاته، وسموه باسمه مع عجزه. ختم بصفتين منافيتين لصفات آلهتهم؛ وهي القوة والغلبة. والله تعالى أعلم.
الإشارة: كل من تعلق في حوائجه بغير الله أو ركن بالمحبة إلى شيء سواه، فقد أشرك مع الله أضعف شيء وأقله. فماذا يجدي تعلقُ العاجزُ بالعاجز، والضعيف بالضعيف، ضَعف الطالبُ والمطلوب. فما قدر الله حقَ قدره من تعلق في أموره بغيره. قال الورتجبي: بيَّن سبحانه- بعد ذكر عجز الخلق والخليقة- جلال قدره الذي لا يعرفه غيره، بقوله: ما قدروا الله حق قدره، قال: وهذه شكاية عن إشارة الخلق إليه بما هو غير موصوف به، فذكر غيرته؛ إذ أقبلوا إلى غير من هو موصوف بالقوة الأزلية والعزة السرمدية. ألا ترى كيف قال: {إن الله لقويٌ عزيزٌ}.


يقول الحقّ جلّ جلاله: {الله يصطفي}: يختار {من الملائكة رُسلاً} يرسلهم إلى صفوة خلقه، كجبريل وميكائيل وإسرافيل وغيرهم، {ومن الناسِ}، كإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يُعرِّفون بجلال الله ومعرفة قدره، حتى يقدروه حق قدره باعتبارهم لا باعتباره؛ فإنَّ الله تعالى لا يمكن لأحد أن يقدرُه حق قدره. قال سيد العارفين: «لا أُحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك». وقيل: نزلت؛ ردًا لما أنكروه من أن يكون الرسول من البشر، وبيانًا أن رُسل الله على ضربين: ملك وبشر. وقيل: نزلت في قولهم: {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا} [ص: 8]. {إِن الله سميع بصير} أي: سميع لقولهم، بصير بمن يختاره للرسالة. أو سميع لأقوال الرسل، بصير بأحوال الأمم في الردِّ والقبول. {يعلم ما بين أيديهم}: ما مضى، {وإِلى الله تُرجع الأمورُ} أي: إليه مرجع الأمور كلها، وليس لأحد أن يعترض عليه في حكمه وتدبيره واختياره مَن شاء من رُسلِه. والله تعالى أعلم.
الإشارة: شرب الخمرة، وهي المحبة الحقيقية والمعرفة الكاملة، لا تكون إلاَّ على أيدي الوسائط، والنادر لا حكم له، فالأنبياء وسائطهم الملائكة، والأولياء وسائطهم خلفاء الأنبياء، وهم أهل العلم بالله الذوقي العِيَاني. وقال الورتجبي- إثر ما تقدم عنه-: فالملائكة وسائط الأنبياء، والأنبياء وسائط العموم، والأولياء للأولياء خاصة. اهـ. وتوسيط الأنبياء للعموم في مطلق المحبة، وتعليم ما يقرب إليها، وأما المحبة الحقيقية فهي خاصة بالأولياء للأولياء، كما قال. وبالله التوفيق.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10